فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أبو حنيفة وابن المواز: لا يقضى منها.
وقال أبو حنيفة: ولا يقضي منها كفارة ونحوها من صنوف الله تعالى، وإنما الغارم من عليه دين يحبس فيه.
وقيل: يدخل في الغارمين من تحمل حمالات في إصلاح وبر وإن كان غنيًا إذا كان ذلك يجحف بماله، وهو قول الشافعي وأصحابه وأحمد.
وفي سبيل الله هو المجاهد يعطي منها إذا كان فقيرًا.
والجمهور على أنه يعطي منها وإن كان غنيًا ما ينفق في غزوته.
وقال الشافعي، وأحمد، وعيسى بن دينار، وجماعة: لا يعطي الغني إلا إن احتاج في غزوته، وغاب عنه وفره.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يعطي إلا إذا كان فقيرًا أو منقطعًا به، وإذا أعطي ملك، وإن لم يصرفه في غزوته.
وقال ابن عبد الحكم: ويجعل من الصدقة في الكراع والسلاح وما يحتاج إليه من آلات الحرب وكف العدو عن الحوزة، لأنه كله من سبيل الغزو ومنفعته.
والجمهور على أنه يجوز الصرف منها إلى الحجاج والمعتمرين وإن كانوا أغنياء.
وقال الزمخشري: وفي سبيل الله فقراء الغزاة، والحجيج المنقطع بهم انتهى.
والذي يقتضيه تعداد هذه الأوصاف أنها لا تتداخل، واشتراط الفقر في بعضها يقضي بالتداخل.
فإن كان الغازي أو الحاج شرط إعطائه الفقر، فلا حاجة لذكره لأنه مندرج في عموم الفقراء، بل كل من كان بوصف من هذه الأوصاف جاز الصرف إليه على أي حال كان من فقر أو غنى، لأنه قام به الوصف الذي اقتضى الصرف إليه.
قال ابن عطية: ولا يعطى منها في بناء مسجد، ولا قنطرة، ولا شراء مصحف انتهى.
وابن السبيل قال ابن عباس: هو عابر السبيل.
وقال قتادة في آخرين: هو الضيف.
وقال جماعة: هو المسافر المنقطع به وإن كان له مال في بلده.
وقالت جماعة: هو إلحاج المنقطع.
وقال الزجاج: هو الذي قطع عليه الطريق.
وفي كتاب سحنون قال مالك: إذا وجد المسافر المنقطع به من يسلفه لم يجز له أن يأخذ من الصدقة، والظاهر الصرف إليه.
وإن كان له ما يغنيه في طريقه لأنه ابن سبيل، والمشهور أنه إذا كان بهذا الوصف لا يعطى.
قال الزمخشري: (فإن قلت): لم عدل عن اللام إلى في في الأربعة الأخيرة؟ (قلت): للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره، لأنّ في للوعاء، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصبًا، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق أو الأسر، وفي فك الغارمين من الغرم من التخليص والإنقاذ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعبادة، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال.
وتكرير في في قوله تعالى: {وفي سبيل الله وابن السبيل}، فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين.
(فإن قلت): فكيف وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ومكائدهم؟ (قلت): ذل بكون هذه الأوصاف مصارف الصدقات خاصة دون غيرهم، على أنهم ليسوا منهم حسمًا لا طعامهم وإشعارًا باستيجابهم الحرمان، وأنهم بعداء عنها وعن مصارفها، فما لهم ولها، وما سلطهم على الكلام لها ولمن قاسمها.
وانتصب فريضة لأنه في معنى المصدر المؤكد، لأن قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء}، معناه فرض من الله الصدقات لهم.
وقرئ فريضة بالرفع على تلك فريضة انتهى.
وقال الكرماني وأبو البقاء: فريضة حال من الضمير في الفقر، أي مفروضة.
قال الكرماني: كما تقول هي لك طلقًا انتهى.
وذكر عن سيبويه أنها مصدر، والتقدير: فرض الله الصدقات فريضة.
وقال الفراء: هي منصوبة على القطع.
والله عليم حكيم، لأن ما صدر عنه هو عن علم منه بخلقه وحكمة منه في القسمة، أو عليم بمقادير المصالح، حكيم لا يشرع إلا ما هو الأصلح. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} شروعٌ في تحقيق حقِّيةِ ما صنعه الرسولُ صلى الله عليه وسلم من القسمة ببيان المصارفِ وردٌّ لمقالة القالةِ في ذلك وحسمٌ لأطماعهم الفارغة المبنيةِ على زعمهم الفاسدِ ببيان أنهم بمعزل من الاستحقاق، أي جنسُ الصدقات المشتملةِ على الأنواع المختلفة {لِلْفُقَرَاء والمساكين} أي مخصوصةٌ بهؤلاء الأصنافِ الثمانيةِ الآتية لا تتجاوزهم إلى غيرهم، كأنه قيل: إنما هي لهم لا لغيرهم فما للذين لا علاقةَ بينها وبينهم يقولون فيها ما يقولون وما سوّغ لهم أن يتكلموا فيها وفي قاسمها؟ والفقيرُ من له أدنى شيءٍ والمسكينُ من لا شيء له هو المرويُّ عن أبي حنيفة رضي الله عنه وقد قيل: على العكس ولكل منهما وجهٌ يدل عليه {والعاملين عَلَيْهَا} الساعين في جمعها وتحصليها {والمؤلفة قُلُوبُهُمْ} هم أصنافٌ فمنهم أشرافٌ من العرب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألفهم ليُسلموا فيرضَخ لهم ومنهم قومٌ أسلموا ونيّاتُهم ضعيفةٌ فيؤلّف قلوبَهم بإجزال العطاء كعيينةَ بنِ حصن، والأقرعِ بن حابس، والعباسِ بن مرداس، ومنهم من يُترقَّب بإعطائهم إسلامُ نظرائِهم، ولعل الصنفَ الأولَ كان يعطيهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم من خُمس الخُمسِ الذي هو خالصُ مالَه، وقد عد منهم من يؤلَّف قلبُه بشيء منها على قتال الكفار وما نعي الزكاة وقد سقط سهمُ هؤلاء بالإجماع لما أن ذلك كان لتكثير سوادِ الإسلامِ فلما أعزّه الله عز وعلا وأعلى كلمتَه استُغنيَ عن ذلك {وَفِي الرقاب} أي وللصَّرف في فك الرقاب بأن يُعانَ المكاتَبون بشيء منها على أداء نجومِهم، وقيل: بأن يُفدَى الأُسارى وقيل: بأن يُبتاع منها الرقابُ فتُعتق، وأيًا ما كان فالعدولُ عن اللام لعدم ذكرِهم بعنوان مصحّحٍ للمالكية والاختصاص كالذين من قبلهم أو للإيذان بعدم قرارِ ملكِهم فيما أعطوا كما في الوجهين الأولين أو بعدم ثبوتِه رأسًا كما في الوجه الأخير أو للإشعار برسوخهم في استحقاق الصدقةِ لما أن (في) للظرفية المنبئةِ عن إحاطتهم بها وكونِهم محلَّها ومركزَها.
{والغارمين} أي الذين تداينوا لأنفسهم في غير معصيةٍ إذا لم يكن لهم نصابٌ فاضلٌ عن ديونهم وكذلك عند الشافعيِّ رضي الله عنه غُرمٍ لإصلاح ذاتِ البين وإطفاءِ الثائرة بين القبيلتين وإن كانوا أغنياء {وَفِى سَبِيلِ الله} أي فقراءِ الغزاةِ والحجيج والمنقطَعِ بهم {وابن السبيل} أي المسافر المنقطِع عن ماله، وتكريرُ الظرف في الأخيرين للإيذان بزيادة فضلِهما في الاستحقاق أو لما ذكر من إيرادهما بعنوان غيرِ مصحَّحٍ للمالكية والاختصاص فهذه مصارفُ الصدقاتِ، فللمتصدق أن يدفع صدقتَه إلى كل واحدٍ منهم وأن يقتصرَ على صنف منهم لأن اللام لبيان أنهم مصارفُ لا تخرُج عنهم لا لإثبات الاستحقاق، وقد روي ذلك عن عمرَ وابنِ عباس وحذيفةَ رضي الله عنهم وعند الشافعيِّ لا يجوز إلا أن يُصرَف إلى ثلاثة من تلك الأصناف {فَرِيضَةً مّنَ الله} مصدرٌ مؤكدٌ لما دل عليه صدْرُ الآية أي فرَضَ لهم الصدقاتِ فريضةً. ونُقل عن سيبويه أنه منصوبٌ بفعله مقدرًا أي فرَض الله ذلك فريضةً أو حالٌ من الضمير المستكنّ في قوله: {للفقراء}، أي إنما الصدقاتُ كائنةٌ لهم حالَ كونها فريضةً أي مفروضة {والله عَلِيمٌ} بأحوال الناسِ ومراتبِ استحقاقِهم {حَكِيمٌ} لا يفعلُ إلا ما تقتضيه الحِكمةُ من الأمور الحسنةِ التي من جملتها سَوْقُ الحقوقِ إلى مستحقّيها. اهـ.

.قال الألوسي:

ثم إنه سبحانه لما ذكر المنافقين وطعنهم وسخطهم بين أن فعله عليه الصلاة والسلام لإصلاح الدين وأهله لا لأغراض نفسانية كأغراضهم فقال جل وعلا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} إلخ.
يعني أن الذي ينبغي أن يقسم مال الله عليه من اتصف باحدى هذه الصفات دون غيره إذ القصد الصلاح والمنافقون ليس فيهم سوى الفساد فلا يستحقونه وفي ذلك حسم لأطماعهم الفارغة ورد لمقالتهم الباطلة، والمراد من الصدقات الزكوات فيخرج غيرها من التطوع، والفقير على ما روي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه من له أدنى شيء وهو ما دون النصاب أو قدر نصاب غير نام وهو مستغرق في الحاجة، والمسكين من لا شيء له فيحتاج للمسألة لقوته وما يوراى بدنه ويحل له ذلك بخلاف الأول حيث لا تحل له المسألة فإنها لا تحل لمن يملك قوت يومه بعد ستر بدنه، وعند بعضهم لا تحل لمن كان كسوبًا أو يملك خمسين درهما.
فقد أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سألنا وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح» قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: «خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب» وإلى هذا ذهب الثوري وابن المبارك وأحمد واسحق، وقيل: من ملك أربعين درهمًا حرم عليه السؤال لما أخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف» وكان الأوقية في ذلك الزمان أربعين درهمًا.
ويجوز صرف الزكاة لمن لا تحل له المسألة بعد كونه فقيرًا، ولا يخرجه عن الفقر ملك نصب كثيرة غير نامية إذا كانت مستغرقة للحاجة، ولذا قالوا: يجوز للعالم وإن كانت له كتب تساوي نصبًا كثيرة إذا كان محتاجًا إليها للتدريس ونحوه أخذ الزكاة بخلاف العامي وعلى هذا جميع آلات المحترفين.
وعلى ما نقل عن الإمام يكون المسكين أسوأ حالًا من الفقير، واستدل بقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 61] أي ألصق جلده بالتراب في حفرة استتر بها مكان الإزار وألصق بطنه به لفرط الجوع فإنه يدل على غاية الضرر والشدة ولم يوصف الفقير بذلك، وبأن الأصمعي وأبا عمرو بن العلاء وغيرهما من أهل اللغة فسروا المسكين بمن لا شيء له، والفقير بمن له بلغة من العيش.
وأجيب بأن تمام الاستدلال بالآية موقوف على أن الصفة كاشفة وهو خلاف الظاهر، وأن النقل عن بعض أهل اللغة معارض بالنقل عن البعض الآخر.
وقال الشافعي عليه الرحمة: الفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعًا من حاجته، والمسكين من له مال أو كسب لا يكفيه، فالفقير عنده أسوأ حالًا من المسكين، واستدل له بقوله تعالى: {وَأَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين} [الكهف: 79] فأثبت للمسكين سفينة، وبما رواه الترمذي عن أنس وابن ماجه والحاكم عن أبي سعيد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين» مع ما رواه أبو داود عن أبي بكرة أنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو بقوله: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر» وخبر: «الفقر فخري» كذب لا أصل له.
وبأن الله تعالى قدم الفقير في الآية ولو لم تكن حاجته أشد لما بدأ به، وبأن الفقير بمعنى المفقور أي مكسور الفقار أي عظام الصلب فكان أسوأ.
وأجيب عن الأول بأن السفينة لم تكن ملكًا لهم بل هم أجراء فيها أو كانت عارية معهم أو قيل لهم مساكين ترحمًا كما في الحديث: «مساكين أهل النار».
وقوله:
مساكين أهل الحب حتى قبورهم ** عليها تراب الذل بين المقابر

وهذا أولى، وعن الثاني بأن الفقر المتعوذ منه ليس إلا فقر النفس لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسأل العفاف والغنى والمراد به غنى النفس لا كثرة الدنيا، وعن الثالث بأن التقديم لا دليل فيه إذ له اعتبارات كثيرة في كلامهم، وعن الرابع بأنا لا نسلم أن الفقير مأخوذ من الفقار لجواز كونه من فقرت له فقرة من مالي إذا قطعتها فيكون له شيء، وأيًا ما كان فهما صنفان، وقال الجبائي: إنهما صنف واحد والعطف للاختلاف في المفهوم، وروي ذلك عن محمد وأبي يوسف، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أوصى بثلث ماله مثلا لفلان وللفقراء والمساكين فمن قال: إنهما صنف واحد جعل لفلان النصف ومن قال: إنهما صنفان جعل له الثلث من ذلك {والعاملين عَلَيْهَا} وهم الذين يبعثهم الإمام لجبايتها، وفي البحر أن العامل يشمل العاشر والساعي.
والأول من نصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار المارين بأموالهم عليه.
والثاني هو الذي يسعى في القبائل ليأخذ صدقة المواشي في أماكنها، ويعطي العامل ما يكفيه وأعوانه بالوسط مدة ذهابهم وإيابهم ما دام المال باقيًا إلا إذا استغرقت كفايته الزكاة فلا يزاد على النصف لأن التصنيف عين الإنصاف.
وعن الشافعي أنه يعطي الثمن لأن القسمة تقتضيه وفيه نظر، وقيد بالوسط لا يجوز أن يتبع شهوته في المأكل والمشرب والملبس لكونه إسرافًا محضًا، وعلى الإمام أن يبعث من يرضي بالوسط من غير إسراف ولا تقتير، وببقاء المال لأنه لو أخذ الصدقة وضاعت من يده بطلت عمالته ولا يعطي من بين المال شيئًا وما يأخذه صدقة، ومن هنا قالوا: لا تحل العمالة لهاشمي لشرفه، وإنما حلت للغني مع حرمة الصدقة عليه لأنه فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية، والغنى لا يمنع من تناولها عند الحاجة كابن السبيل كذا في البدائع، والتحقيق أن في ذلك شبهًا بالاجرة وشبهًا بالصدقة، فبالاعتبار الأول حلت للغنى ولذا لا يعطى لو أداها صاحب المال إلى الإمام، وبالاعتبار الثاني لا تحل للهاشمي.